ربما يكون استخدام تعبير «التهافت»، هو الأدق لوصف الإقبال المتنامي لكبار المؤسسات والشركات العالمية على مشاريع إطلاق العملات المستقرة؛ فخلال الساعات الأربع والعشرين الماضية فقط، خرجت كلٌ من «فيدليتي» التي تمتلك أكثر من 15.1 تريليون دولار من الأصول المدارة، وكذلك مشروع العملات المشفرة «وورلد ليبيرتي فاينانشال» المدعمة من الرئيس دونالد ترامب، بإعلان مفاده التوجه لإطلاق العملات المستقرة الخاصة بها.
هذا التوجه يشكّل تحدياً كبيراً في سوق مكتظ بالفعل، تُهيّمن عليه عملات مثل تيثر بقيمة سوقية تفوق 144 مليار دولار و «يو إس دي سي» بقيمة سوقية تفوق 60 مليار دولار، أمّا السؤال الأهم يكمن في جدلية ما إذا ستكون مثل هذه المشاريع إضافة إيجابية لسوق العملات المشفرة أم شكلاً من أشكال المنافسة الضارة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
هذا التوجه، يتوافق مع التوجه الذي يريده الرئيس دونالد ترامب، الذي تمت ترجمته بتصريح وزير الخزانة سكوت بيسنت قال فيه «سنحافظ على الدولار الأميركي كعملة احتياطية مهيمنة في العالم، وسنستخدم العملات المستقرة لتحقيق ذلك».
كيف يؤثّر هذا التوجه في سوق العملات المشفرة؟
قال مازن سلهب، كبير استراتيجيي الأسواق في شركة «بي دي سويس»، في تعليق لـ«CNN الاقتصادية» إنه لا شك في أن المزيد من المشاريع في العملات المستقرة «ستدعم سوق العملات المشفرة وتعزز من فرضية أن النمو في هذه السوق سيكون مرتبطاً في العملات الأكثر استقراراً وليس بموضوع المضاربة، لتكون أدوات استثمارية أكثر قيمة وأكثر استقراراً على المدى الطويل».
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
وأوضح أن المزيد من هذه المشاريع «سترفع الطلب على العملات المشفرة الأكثر استقراراً والأكثر قيمة مثل بيتكوين وإكس آر بي وسولانا وغيرها، في حين أن العملات المشفرة مثل الميم لن يكتب لها البقاء، وهو الأمر المطلوب فعلاً لدعم موثوقية السوق».
وفي ما يخص القطاع التقليدي، رأى سلهب أنه سيستفيد من نمو البلوك تشين لكن أمامه «منافسة شرسة» خصوصاً أن العملات المستقرة لا شك في أنها شكّلت حلاً بديلاً لملايين الناس الذين يعيشون بمناطق فيها مشكلات اقتصادية وكوارث وحروب، شكّلت عائقاً أما قاطنيها للوصول إلى الدولار الأميركي أو العملات المماثلة عبر التحويلات النقدية بالنظام التقليدي.
وتوقع أن نرى إقبالاً أكبر من البنوك المركزية لدخول سوق العملات المستقرة الخاصة بها.
وأضاف «التيثر على سبيل المثال هي سابع أكبر مشتري لسندات الخزينة الأميركية في 2024، وتجاوزت مشتريات دولاً مثل كندا والنرويج على سبيل المثال، وهذا التوجه قد يستمر في السنوات المقبلة، وهو الأمر الذي يعطيها مصداقية أكبر ويخفف من مدى القدرة على المضاربة بسوق العملات المشفرة في المستقبل».
15.6 تريليون دولار
بلغت قيمة المعاملات السنوية للعملات المستقرة بنهاية 2024 أعلى مستوى لها في خمس سنوات، لتصل إلى 15.6 تريليون دولار وفقاً لتقرير صادر عن شركة «آرك إنفستمنت» في 4 فبراير شباط الماضي، مقابل نحو 7 تريليونات دولار في 2023.
وبالمقارنة مع شركات بطاقات الدفع التقليدية العملاقة مثل «فيزا» و«ماستركارد» تجاوزت قيمة معاملات العملات المستقرة في عام 2024 هذه الشركات بنسبة 119 في المئة و200 في المئة على التوالي.
وكانت بلوك تشين «سولانا، وترون، وإيثريوم وبايس» من أكبر المساهمين في حجم تداول العملات المستقرة.
التحدي الأكبر.. مجرمو الإنترنت
ربما يبقى التحدي الأساسي أمام تعزيز شفافية وموثوقية العملات المستقرة هو استخدامها في عمليات مشبوهة لدى مجرمي الإنترنت من خلال تبييض الأموال وتحويلات غير قانونية.
فخلال عام 2021، كانت عملة البيتكوين العملة المشفرة المفضلة لدى مجرمي الإنترنت، ويرجع ذلك على الأرجح إلى سيولتها العالية.
ومنذ ذلك الحين، لاحظ المحللون في شركة الأبحاث المختصة بالعملات المشفرة «تشايناليسيس» تنويعاً مطّرداً بعيداً عن البيتكوين، حيث استحوذت العملات المستقرة منذ ذلك الوقت حتى اليوم على غالبية حجم المعاملات غير المشروعة بنسبة تصل إلى 63 في المئة في 2024.
ووفقاً لتقرير «تشايناليسيس» الأخير، تبيّن أنه بين عامي 2020 و2024 ارتفعت قيمة الأموال الواردة من عناوين العملات المشفرة غير المشروعة بنسبة 25 في المئة لتصل في أقصى التقديرات إلى نحو 51 مليار دولار.