الدرهم الرقمي الإماراتي: خطوة سيادية لإعادة تشكيل مستقبل المال في الإمارات

في مقابلة خاصة مع قناة CNBC عربية، ناقش السيد وليد أبو زكي، الرئيس التنفيذي لشركة Unlock Blockchain، التطورات المتعلقة بإطلاق الدرهم الرقمي من قبل مصرف الإمارات المركزي، وما يحمله هذا التحول من تغييرات جذرية في السياسة النقدية، البنية المالية، والحوكمة التقنية داخل الدولة.

الدرهم الرقمي ليس مجرد وسيلة دفع

خلافًا لما يعتقده البعض، أوضح أبو زكي أن الدرهم الرقمي لا يُعتبر فقط وسيلة دفع جديدة، بل هو أداة سيادية مبرمجة تمنح المصرف المركزي قدرة غير مسبوقة على إدارة العرض النقدي والسيولة بشكل ذكي وفوري.
فمن خلال الدرهم الرقمي، يمكن للمركزي الإماراتي تتبع حركة الأموال، التحكم في الكميات المصدرة، وربط الاستخدام بزمان أو مكان معين — وهو ما لا يمكن تحقيقه باستخدام النقد الورقي.

البنية التحتية المالية جاهزة… ولكن!

الإمارات تملك بنية تحتية مالية متقدمة بالفعل، بحسب أبو زكي، لكن تنفيذ الدرهم الرقمي يتطلب إطارًا تكنولوجيًا وتشريعيًا أكثر تعقيدًا. أشار إلى أن المصرف المركزي عمل في السنوات الماضية على مشاريع تجريبية، منها مبادرة “عابر” مع السعودية، وتجارب ربط مباشرة مع الصين، الهند، وهونغ كونغ عبرmBridge. هذه المشاريع سمحت للمصرف المركزي بتجربة المزايا والتحديات المرتبطة بالعملة الرقمية قبل طرحها رسميًا، وحرص المركزي الإماراتي على إشراك عدة بنوك تجارية في الاختبارات.

هل تتأثر البنوك؟

لا شك أن البنوك المحلية ستتأثر بشكل مباشر، خاصة أن دورها التقليدي كوسيط في العمليات المالية سيتراجع لصالح نماذج جديدة. ولفت أبو زكي إلى أن البنوك ستحتاج إلى التحوّل إلى منصات رقمية تقدم خدمات ذات قيمة مضافة، مثل واجهات الدفع الذكية، حلول التمويل الفوري، أو التحليل المالي القائم على البيانات.
أما نموذج الرسوم التقليدية على التحويلات فقد لا يكون مستدامًا في ظل بنية تعتمد على تحويلات لحظية وبتكلفة شبه معدومة، ما يجعل البنوك بحاجة إلى إعادة ابتكار علاقتها بالعملاء ضمن بيئة مالية أكثر انفتاحًا.

مستقبل المحافظ الرقمية… في يد من؟

من أبرز التساؤلات المطروحة حاليًا هو: من سيدير المحافظ الرقمية؟ هل ستكون خاضعة للبنوك؟ أم سيكون للمستخدمين الحق الكامل في الاحتفاظ بأموالهم بأنفسهم من خلال محافظ ذاتية الحيازة (Self-Custody)؟
وفقًا لأبو زكي، هذه ليست مسألة تقنية فحسب، بل قضية سيادية وتنظيمية بامتياز، لأنها ستحدد من يملك السيطرة الفعلية على المال في النظام الجديد: هل هو الفرد؟ أم البنك التجاري؟ أم المصرف المركزي؟
الفرق بين محفظة يديرها المستخدم ومحفظة “تُعرض” فقط عبر تطبيق بنكي تقني لكنه خاضع للبنك، هو فرق جوهري من ناحية الملكية، التحكم، والخصوصية. لذلك، يُتوقع أن يشكّل موضوع المحافظ الرقمية أحد أبرز بنود التشريع المنتظر خلال الربع الأخير من عام 2025.

الخصوصية… بين السيادة والحماية

في ظل نظام رقمي قابل للتتبع الكامل، تبقى الخصوصية أحد الهواجس المشروعة التي عبّر عنها الكثيرون، وأكد أبو زكي أنها لن تُترك دون معالجة. فبينما يملك المصرف المركزي القدرة على معرفة كيف، أين، ومتى يُستخدم الدرهم الرقمي، فإن ذلك يجب أن يتم ضمن إطار قانوني واضح وشفاف.
بحسب ما تم تداوله حتى الآن، سيتم تحديد من له صلاحية الوصول إلى بيانات المستخدمين، ومن لا يملك هذا الحق، إضافة إلى ضمان تخزين البيانات المالية في حدود جغرافية دولة الإمارات، ما يعكس التزامًا قويًا بأمن المعلومات والسيادة الرقمية.
لكن حتى مع هذه الضمانات، تبقى الخصوصية “مقيدة” بطبيعة النظام الرقمي نفسه، ما يعني أن المستخدم سيحظى بدرجة من الحماية، لكن ليس بالضرورة السرية الكاملة كما في النظام النقدي التقليدي. ولذلك، تبقى قضية الخصوصية عنصراً حاسمًا في صياغة التشريعات المقبلة.

ليس المشروع الأخير… بل البداية

أوضح وليد أبو زكي أن الدرهم الرقمي لا يجب اعتباره مشروعًا معزولًا، بل هو خطوة أولى ضمن سلسلة من التحولات الاستراتيجية التي تنفذها دولة الإمارات في سبيل بناء نظام مالي رقمي متكامل.
فبعد انتقالها إلى “القائمة الخضراء” لمجموعة العمل المالي (FATF)، أصبح من الواضح أن الإمارات لم تعد تقبل بمنظومة مالية تقليدية غير مرنة. ومن هنا، فإن التحول نحو العملة الرقمية السيادية يمثل انعكاسًا لنهج أشمل يتضمن:

• تبني تكنولوجيا البلوك تشين في البنية المالية
• تعزيز الامتثال ومكافحة غسل الأموال بطريقة أكثر فاعلية
• وضع إطار تشريعي يشمل الأصول الرقمية والعملات المشفرة والمستقرة
  ويختم أبو زكي: “لا أعتقد أن هناك دولة في المنطقة تقارب موضوع العملات الرقمية بهذا العمق والجدية التنظيمية كما تفعل الإمارات. ما نشهده اليوم ليس مجرد تحديث مالي، بل إعادة بناء كاملة للبنية النقدية لمرحلة ما بعد الكاش.”